الأونروا على حافة الانهيار- هل تتخلى الدول عن اللاجئين الفلسطينيين؟

المؤلف: د. محمود الحنفي11.15.2025
الأونروا على حافة الانهيار- هل تتخلى الدول عن اللاجئين الفلسطينيين؟

في خطاب بالغ اللهجة أرسله إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس الموافق 22 فبراير/شباط 2024، أطلق فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، صيحة استغاثة مدوية، محذرًا من أن الوكالة قد بلغت "حافة الانهيار". هذا التحذير الملحّ جاء في أعقاب قرار مؤلم اتخذته عدة دول بتعليق دعمها المالي للأونروا. فما هي تفاصيل هذه الأزمة، وما الأسباب الكامنة وراء هذا التحذير الخطير؟

إن الآلة الإعلامية الإسرائيلية تشن حملة دعائية شرسة وممنهجة، مستهدفةً الوكالة الأممية الأهم، ألا وهي الأونروا، المنوط بها تقديم الدعم والإغاثة للاجئين الفلسطينيين. يرتكز الخطاب الإعلامي الإسرائيلي على فكرة مفادها أن استمرار عمل هذه المنظمة الدولية يساهم في إدامة "مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، وأن وجودها يشكل عائقًا أمام تحقيق "السلام". بل ويتجاوز الأمر ذلك ليصل إلى حد الادعاء بأن سلوك هذه المنظمة يتطابق مع سلوك حركة حماس "الإرهابي".

من المستحيل أن تؤثر هذه الدعاية المغرضة على الوضع القانوني الراسخ لملايين اللاجئين الفلسطينيين (البالغ عددهم 5.9 ملايين لاجئ)، أو أن تنتقص من حقوقهم غير القابلة للتصرف. فمسألة أن يبقى هؤلاء الأشخاص لاجئين إلى الأبد أمر غير مقبول.

ليس خافيًا على أحد أن الدول الغربية تقدم دعمًا سخيًا لإسرائيل في مختلف الظروف، سواء في أوقات السلم أو الحرب، وأن هذا الدعم هو الذي أطال أمد أزمة اللجوء وعمّق من معاناة اللاجئين على مدى سبعة عقود ويزيد. ومع استمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة (يشكل اللاجئون 72% منهم)، اتخذت 17 دولة - بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي - قرارًا بتعليق مساعداتها المقدمة لوكالة الأونروا.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الدول كانت تغطي ما نسبته 78.4% من إجمالي الموارد السنوية للأونروا، وذلك حسب آخر ميزانية معلنة (عام 2022)، أي ما يعادل حوالي 921 مليون دولار من أصل 1175 مليون دولار. وقد تم اتخاذ هذا القرار تحت وطأة الادعاءات الإسرائيلية بأن 12 موظفًا في الأونروا في قطاع غزة قد شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

تواجه وكالة الأونروا استهدافًا إسرائيليًا مباشرًا وواضحًا منذ سنوات طويلة، على الرغم من الدور المحوري الذي تلعبه في حياة ملايين اللاجئين. ولقد نجحت إسرائيل في الضغط على 17 دولة - أغلبها غربية - لتعليق تمويلها للأونروا. وفي هذا السياق، نورد عشر ملاحظات عاجلة:

تشير المعطيات الرقمية المتوفرة إلى أن تعليق تمويل الأونروا سيؤدي إلى تداعيات وخيمة تمس حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، حيث سيؤثر سلبًا على قطاعات التعليم والصحة والإغاثة والبنى التحتية. وسوف يسفر ذلك عن تفاقم معدلات الفقر والأمية والبطالة، مما قد يؤدي إلى تشتيت اللاجئين بشكل أكبر، وقد يدفعهم إلى الهجرة نحو الدول الغربية. ومن نافلة القول أن الدول الغربية معنية بمعالجة أسباب الهجرة ومعالجة جذورها. إن عجز الوكالة الدولية عن الوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه اللاجئين سينعكس بشكل كبير على الدول المضيفة التي تعاني أساسًا من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة ومتراكمة، وهي عمليًا غير قادرة على تلبية احتياجاتهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية، ومن المتوقع أيضًا أن ينعكس ذلك على أمن واستقرار المنطقة، بما في ذلك أمن دولة الاحتلال. إن تعليق تمويل الأونروا - بسبب فعل قد يكون ارتكبه أفراد - سيشمل تأثيره ملايين اللاجئين، وهو فعل محظور بموجب القانون الدولي، ويصنف على أنه شكل من أشكال "العقوبات الجماعية"، وبالتالي قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب.

هذا القرار غير قانوني وغير أخلاقي على الإطلاق، لأن الدول المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة عليها تعهدات والتزامات جوهرية تجاه الشعوب الأخرى خلال الأزمات الإنسانية الناجمة عن الكوارث والزلازل والحروب. فكيف يكون الحال مع لاجئين يعانون منذ عام 1948؟

من المؤكد أن هذا القرار سيتسبب بضرر بالغ للاجئين في مناطق عمل الأونروا الخمسة، وبشكل خاص للاجئين والنازحين الفلسطينيين في قطاع غزة؛ بسبب حرب الإبادة الشرسة التي تشنها إسرائيل هناك.

وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الذين يعتمدون بشكل كامل على الأونروا في قطاع غزة الآن كانوا يعيشون أساسًا تحت وطأة حصار إسرائيلي غير قانوني منذ عام 2007. هذا الحصار الخانق والظالم قد دمر آمال شباب اللاجئين وطموحاتهم، وأصاب إنسانيتهم في الصميم.

إن الدول التي علقت تمويلها للأونروا قد ارتكبت خطأً فادحًا لثلاث مرات؛ المرة الأولى عندما ساهمت في خلق أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وسمحت بقيام دولة إسرائيل على حساب حقوق وأرض شعب فلسطين، دون أي سند قانوني، وعدم قدرتها أو ربما عدم رغبتها على مدار عقود من الزمن بإعادتهم إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها خلال الحروب الإسرائيلية في عامي 1948 و 1967.

أما المرة الثانية فهي عندما سمحت لهذه المنظمة الدولية بأن تتسول فتات الأموال لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وجعلتها ومن تخدم من اللاجئين عرضة للابتزاز والإذلال على حد سواء. أما المرة الثالثة فهي عندما انساقت وراء خداع الاحتلال وصدقت أكاذيبه في أصعب الظروف الإنسانية.

توجد مؤشرات ومعلومات موثوقة تفيد بأن إسرائيل، ومنذ اتفاق أوسلو عام 1993، بدأت بالترويج لفكرة مفادها أن الأونروا لم تعد لها حاجة فعلية، وأن على العالم أن يهتم بقيام دولة فلسطينية التي سوف يناقش مصيرها بعد خمس سنوات من هذا الاتفاق! وقد وضعت خططًا لتحقيق ذلك، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول بشكل علني.

وقد استغلت إسرائيل حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة؛ لتتابع حملتها الشرسة ضد الأونروا. إسرائيل لا تريد للشاهد الملك أن يبقى على قيد الحياة، وهو هدف إسرائيلي إستراتيجي لا تهاون فيه، بل وتعتبر أن موضوع اللاجئين يشكل عقبة أمام عمليات التطبيع مع الدول العربية.

إن استبدال منظمة الأونروا بأية هيئة دولية أخرى أمر غير مقبول على الإطلاق، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن وكالة الأونروا تمتلك خبرة عميقة تمتد لعقود طويلة من الزمن، كما أنها تعمل من خلال كادرها البشري الكبير الذي يضم حوالي 33 ألف موظف، ولديها رصيد طويل في حسن التعامل مع احتياجات اللاجئين.

كما أن لوكالة الأونروا معنى سياسي وقانوني مرتبط بأطول أزمة لجوء شهدها التاريخ الحديث، فضلًا عن الدور الخدماتي الجليل الذي تؤديه تجاه اللاجئين في مناطق عملياتها الخمسة (قطاع غزة، الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية إضافة إلى القدس المحتلة).

في حين أن المنظمات الدولية الأخرى لا تمتلك تلك المزايا التي تمتلكها الأونروا، لا سياسيًا ولا قانونيًا ولا خدماتيًا، وهي لا تؤكد المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين.

إن قرار تعليق التمويل من قبل الدول المانحة يتزامن مع قرار محكمة العدل الدولية الذي أثار استياء إسرائيل، مما يعتبر رد فعل واضحًا من هذه الدول لصالح إسرائيل. لقد قبلت هذه المحكمة دعوى جنوب أفريقيا، واعتبرت أن ثمة مؤشرات قوية على ارتكاب إسرائيل لجرائم إبادة جماعية، وأن إسرائيل فعلًا لا قولًا متهمة.

لقد تغاضت هذه الدول عن جرائم الاحتلال بحق مراكز الأمم المتحدة، وعن استشهاد أكثر من 150 موظفًا أمميًا، فضلًا عن استهداف مراكز إيواء النازحين التابعة للوكالة نفسها، واستشهاد وجرح المئات منهم.

وفي الوقت الذي يكون فيه الجاني معروفًا بالاسم (وهي إسرائيل) ولا يحتاج إلى كثير من الجهد والبحث الاستقصائي، فإنه لا توجد خطوات ولا إجراءات ولا عقوبات ولا حتى إجراءات شكلية. وفي المقابل الآخر، تفرض هذه الدول عقوبات جماعية قاسية على 5.9 ملايين لاجئ، وذلك بسبب سلوك أفراد (12 موظفًا من أصل 30 ألف موظف)، ولم يثبت بالتحقيقات أنهم ارتكبوا ما يعتبر خرقًا "للحيادية".

أي منطق هذا؟! وهل هذا التعليق يتوافق مع التزامات الدول واحترامها لأجسام الأمم المتحدة، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أنشأت الأونروا، أو محكمة العدل الدولية التي طالبت بضرورة إدخال المساعدات الإنسانية؟

من دواعي الأسف والحزن العميق أن مساهمات الدول العربية المادية والعينية تبلغ نسبة ضئيلة جدًا، حيث لا تتعدى (5.1%) من صندوق الأونروا، وذلك بحسب التقرير المالي للأونروا لعام 2022 من إجمالي المساهمات الدولية. هذه النسبة الزهيدة لا تساهم في سد الاحتياجات المتزايدة للاجئين، كما أنها لا يمكن أن تعوض النقص الكبير فيما لو أصرت الدول الكبيرة على قرارها بتعليق التمويل (78%).

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا هذه المساهمة العربية قليلة إلى هذا الحد؟، ولماذا يُترك اللاجئون الفلسطينيون العرب تحت رحمة ابتزاز الدول الغربية؟

إن السلوك الإسرائيلي غير المقبول تجاه المنظمة الدولية أو قرار تعليق الدول لمساهماتها المالية لا يمكن أن يغير من المركز القانوني للأونروا، التي نشأت بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالقرار لا يلغى إلا بقرار مماثل. وعليه، فإن هذه الإجراءات لا تغير من الولاية القانونية للأونروا قيد أنملة.

إن الأثر المتوقع لكل هذه الضجة المفتعلة أو هذا الابتزاز الرخيص هو أن يجعل هذه المنظمة الدولية غير قادرة عمليًا على الوفاء بالتزاماتها الدولية الجسيمة، الأمر الذي قد يجعل هذه المنظمة عاجزة تمامًا عن القيام بمهامها.

ومع مرور الوقت، قد تستغل إسرائيل والدول الغربية المؤيدة لها فرصة دولية مواتية لطرح المشروع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلغاء الأونروا بشكل نهائي، واستبدالها بهيئة دولية أخرى. الأونروا هي تعبير صادق عن إرادة دولية حقيقية. ولقد كلفت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأونروا بتقديم المساعدة والحماية للاجئي فلسطين، وذلك حتى يتم إيجاد حل سياسي عادل ودائم يعالج قضيتهم بشكل جذري. والأونروا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقرار 194، وهو قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ما هو المطلوب بشكل عاجل؟

يتطلب الأمر بإلحاح أن تعيد الدول التي علقت تمويل الأونروا النظر مليًا في قرارها بشكل فوري، بل وأن تزيد من مساهماتها المالية لسد العجز المزمن وضمان استمرار عمل الوكالة وتقديم خدماتها الحيوية للاجئين. كما يجب على هذه الدول، بما تملكه من نفوذ سياسي واقتصادي، أن تبذل جهودًا دبلوماسية حثيثة لربط موازنة الأونروا بموازنة الأمم المتحدة نفسها.

كما يجب على هذه الدول أن تحترم قرار محكمة العدل الدولية الصادر في يناير/كانون الثاني من عام 2024، والذي دعا إلى تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين في غزة، لا أن تفرغه من مضمونه أو أن تلتف عليه. إن هذا السلوك المريب يشكل إهانة بالغة للأمم المتحدة وأجهزتها، وعلى وجه الخصوص محكمة العدل الدولية.

ومن الضروري أيضًا أن تطالب هذه الدول بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة بخصوص استهداف إسرائيل لمقرات الأمم المتحدة، بما في ذلك مراكز الأونروا، واستشهاد أكثر من 150 موظفًا أمميًا.

الفاعل معروف تمامًا والضحية معلومة بالاسم!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة